نساء دميمات ألهمن كثيراً من الكتاب والشعراء عبر التاريخ


نساء دميمات ألهمن كثيراً من الكتاب والشعراء عبر التاريخ

مفاهيم الجمال والقبح تختلف حسب الزمان والمكان


الأحد – 26 رجب 1443 هـ – 27 فبراير 2022 مـ رقم العدد [
15797]


شارل بودلير – أليغييري دانتي – أورهان باموق

حيدر المحسن

الكلام عن القبح ليس سوى طريقة مختلفة للكلام عن الجمال، ويتبادل لدى الناس بين الأزمان والأمصار الجمالُ والقبحُ الدورَ والمكان والمعنى، ويتساءل المرء في النهاية: ما هو الجمال، وكيف يكون القبح؟
عن المؤرخ هريودوتس، أنه شاهد في مصر القديمة تصويراً لنفرتيتي بملامح قبيحة، وغير جذابة، لأن «قباحة الصورة مؤشرٌ على القوة الكامنة»، والمفهوم من المعنى أن الملكة كانت قبيحة الصورة، لكنها بأنوثة طاغية. وفي النشيد التاسع عشر من المطهر يحلم دانتي حلماً، ويرى فيما يرى النائم «امرأة عيية، حولاء، وقدماها فحجاوان، بتراء اليدين، شاحبة السحنة». ينظر دانتي إليها، فتصيرها عيناه امرأة جميلة، ثم تشرع في الغناء، وتذهل أغنيتها الشاعر.
شاعر الجمال والحب، الفرنسي شارل بودلير، أبو الحداثة الشعرية، الذي وصفه رامبو بأنه «أول راء، ملك الشعراء»، عشق بودلير فتاة زنجية قبيحة الصورة وتعاني من ندبات الجدري، وكانت بالإضافة إلى ذلك سيئة الأخلاق، هي جان ديفال، ولم يكترث للون بشرتها السوداء الذي كان مثار سخرية ونقمة.
في ذلك الزمان. اتخذها خليلة، وحاول أن يهجرها أو أن يخونها فلم يستطع، لأن العشق تملكه، وملكه. هل يمثل اهتمام شاعر «أزهار الشر» بالسحر الأنثوي الطاغي لدى المرأة القبيحة الكشف الأول في اختبارات الجمال، التي سوف يمضي فيها بعيداً رواد الحداثة في الأدب والفن الذين ظهروا في أوروبا في مستهل القرن العشرين، عندما قاموا بتشييد ثقافة جديدة قوضت مفاهيم علم الجمال، وامتدت تأثيراتها على القرن الماضي، ولا تزال سارية إلى الآن؟
إن أقرب مثال للإحساس بالوجود في بساطته الأولى هو تأمل الطلعة الصافية للمرأة، ودون رتوش، سواء كانت بيضاء أو سمراء أو شقراء أو صفراء أو حمراء أو سوداء، كما أن هناك من النساء من فيها عيب، وهناك من فيها عيب آخر، ومن كانت شديدة الفقر وسيئة المنطق، ومن كانت شديدة الغنى أو جميلة بشكل خطير، كما أن فكرة «الذوق» تختلف حسب الزمان والمكان، لأن الذوق الجيد عند جيل هو ذوق فاسد عند جيل تالٍ، وما يراه ملائماً أهل بلد، ربما كان منظره شنيعاً في بلد ثانٍ، كما أن نظام القيم النهائية في هذا الموضوع معقد إلى درجة أنه يختلف بين البلدان تبعاً لثقافتها ورقيها المدني والحضاري. ففي اليابان مثلاً نجد قياس الجمال يخضع لفلسفة وابي – سابي، التي ترمي إلى تقبل الأشياء كما هي وعلى طبيعتها، بعيوبها وبشوائبها وبترهلاتها وبتآكلاتها، وبفنائها. إن عبارة «جماليات العيوب»، كما يقال لهذه الفلسفة اختصاراً، ليست فكرة زهدية أو تأملية خالصة، بل ممارسة حياتية تحاول تجريب الطريق إلى السعادة بواسطة الهدوء والسكينة اللذين يقدمهما لنا عدم الكمال في الأشياء، أو «الاكتفاء بعدم الاكتمال»، بالإضافة إلى العلاقة الحميمة مع كل ما هو بسيط واقتصادي ومتقشف. إن مبدأ الجمال هنا يقوم على أساس مختلف، وثمة مطلق وظلام وفراغ لا نهائي يفصل بين فلسفة الوابي سابو، وما يجري على أرض الواقع في بقية المجتمعات والبلدان.
ففي أميركا، مثلاً، دفع الأميركان عام 2005 ما يقارب 12.5 مليار دولار على عمليات التجميل، وهو ما يعادل ميزانية أكثر من 100 بلد تمتد من ألبانيا وصولاً إلى زيمبابوي، أي ما يكفي لمعيشة وإيواء مليار نسمة، وجميع النسوة اللواتي أُجريت لهن العمليات وتحملن خطورة ومضاعفات التخدير العام، يعتقدن أن مقياس الأنوثة لدى المرأة هو جمالها. الأموال الطائلة التي صُرفت في الولايات المتحدة في سبيل تجميل وجه المرأة تُعد مهدورة في اليابان، لأن مبدأ الجمال هنا يقوم على أساس مختلف. الذاوي من الأشياء والمهترئ والملطخ والمغطى بالندبات والمسخ… كل هذه الصفات إذا كانت طبيعية فهي جميلة في بلاد التاو.
وإذا كانت حصص النساء متباينة في الحُسن، وكذلك في الحظ السعيد، لكن البارئ قسم الأنوثة بينهن بالعدل والقسطاس، فالمرأة الدميمة ربما أغرمت الأثرياء من الرجال، وألهمت الشعراء وفتحت عليهم باب الإبداع، حتى المرأة التي كُتبَ عليها أن تكابد قدراً شنيعاً سبب لها عاهة دائمة لديها أنوثة ربما تفوقت بها على أجمل بنات حواء، وهي الأنوثة التي يمكننا أن ندعوها «تعويضية». يقول الأديب الفيلسوف مدني صالح: «النساء متشابهات مثلما تشبه حبة هيل حبة هيل أخرى، إلا بما تثيره المرأة لدى الرجل من سحر يلهب خيالاته ورؤاه». وتستطيع المرأة فعل هذا بطرق عديدة غير جمال الصورة ورشاقة الجسد، وبيت الغنج له أبواب ومداخل عديدة. «ظهرت امرأة ضخمة وعريضة جداً إلى حد أنها تشبه الخزانة، ولكنها حيوية، وحركتها لا تهدأ، وحتى إنها مغناج». المشهد من رواية «اسمي أحمر» لأورهان باموق.
إن الأدب يساعدنا على فهم الحياة مثل الفلسفة، وربما تفوق في ذلك، أو أنه الفلسفة الحياتية التي يقدمها لنا الأديب في لبوس فني. «اسأل علجوماً ما هو الجمال؟»، كتب فولتير «وسيجيبك بأنه أنثاه، بعينيها المدورتين الكبيرتين الجاحظتين في رأسها الصغير». ويوهن المرأة الزمانُ والقدر، ويتقدم بها العمر وتمرض وتصير عجوزاً، لكن الأنثى فيها تظل تكافح وتسعى ولا تستسلم، وتبقى في نظر نفسها جميلة الجميلات، كما أن العجوز التي بلغت من العمر وكادت أن تصبح غير مرئية تستطيع أن تحب وتعشق، حالها حال الرجل.



العالم


Art





Source link

أنطولوجيا للشعر الفلسطيني الراهن بالفرنسية


صدرت حديثاً عن دار «بْوان» الفرنسية أنطولوجيا جديدة للشعر الفلسطيني الراهن، باللغة الفرنسية، ضمت نصوصاً قام بتجميعها وتأمين اختيارات أولية منها الشاعر المغربي ياسين عدنان، فيما تولى الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، الاختيار النهائي للنصوص التي أنجز بنفسه ترجمتها.
ومن المنتظر أن توزع هذه الأنطولوجيا في المكتبات الفرنسية والفرنكوفونية عبر العالم ابتداءً من يوم الجمعة المقبل، فيما ستصدر في أصلها العربي قريباً عن «دار المتوسط» بإيطاليا.
يقول عدنان: «حينما اقترح علي اللعبي فكرة الاشتغال على أنطولوجيا جديدة للشعر الفلسطيني تهيبت إلى حد كبير. مَنْ دعاني إلى مرافقته في هذا الاختراق المدهش لأحراش الشعر الفلسطيني الراهن رجل خَبِرَ هذا الشعر جيداً. فهو أول من قدمه إلى القارئ الفرنسي في أنطولوجيا (شعر المقاومة الفلسطيني) سنة 1970، قبل أن يُصدِر بعد عقدين، بباريس دائماً، (أنطولوجيا الشعر الفلسطيني المعاصر). لذا، ما إن اقترح علي اللعبي مُشاركَتَه إنجاز هذه الأنطولوجيا ليُترجِمها إلى الفرنسية، حتى عدتُ إلى رفوف مكتبتي لأستل لائحة من مجايِلي الفلسطينيين، وهم شعراء لامعون وأصدقاء أعزاء. لكن (مجنون الأمل) يصبو إلى فتح (الراهن الشعري الفلسطيني) على المستقبل ما أمكن. هكذا جربتُ الانفتاح على جيلٍ أحدث. والحصيلة باقة من الأصوات يمكن المجازفة بتسْمِيتها (جيل الألفية الجديدة)».
وختم عدنان بأن هذا العمل الشعري الجديد هو «هدية من المغرب الأدبي للشعرية الفلسطينية المتميزة، والمتجددة باستمرار».
من جهته، كتب اللعبي في تقديم الأنطولوجيا أنه «يكفي أن يُنْطَقَ اسم فلسطين (التاريخ، الأرض، البلد، الشعْب، عدالة القضية، الكفاح من أجل الحياة، والآن الكفاح من أجل البقاء) ليحضر الشعرُ كضيفٍ من تلقاء نفسِه»؛ وأضاف أنه «نادراً ما نَجِدُ في تاريخ الأدب اسم بَلَدٍ، والأمر يتعلق هنا بفلسطين تحديداً، يستحيل في حد ذاته شِعرية. ويجب الإقرار هنا بأن هذه المكانة تعود في جزء كبير منها لشعراء فلسطين: الرواد الذين طفقوا في بداية القرن الماضي يُدرجون في ذاكرة شعوب الشرق الأدنى ذاكرة خاصة قيد التكون، ذاكرة السكان الفلسطينيين الرازحين تحت نَيْرِ الهيمنة البريطانية؛ وجيل الستينيات، والسبعينيات، الذي كان مهندس النشأة بوضعِه العناصر المكونة للهوية الفلسطينية الوطنية والثقافية. وقد كان محمود درويش حاملَ مشعل هذا الجيل، ولو أن شجرته السامقة لا يمكن أن تخفي غابة من الأصوات القوية والأصيلة: معين بسيسو، توفيق زياد، فدوى طوقان، سميح القاسم، عز الدين المناصرة، محمد القيسي، أحمد دحبور، مريد البرغوثي، وليد خزندار، خيري منصور، وآخرون. وبعد ذلك، تعاقبت الأجيال لِتُغْني هذه الشعرية وتحتك بالنزعات الجديدة للشعر المعاصر وتحمي وتُبْرِز ديمومة القضية الفلسطينية، هذه الشوكة التي تسعى قوى الموت إلى نزعها من الضمير العام».
وشدد اللعبي على أنه بالإضافة للأسباب المباشرة والمُلِحة، هناك أخرى محفزة، منها «رفع تحدٍ لم يكن ممكناً عقداً أو عقدين من قبل: ضمان مناصفة دقيقة بين النساء والرجال عند اختيار الشاعرات والشعراء»، و«إقامة الدليل من جديد على أنه في اللحظات الأشد صعوبة في تاريخ شعبٍ ما يكون الشعراء في الموعد ويقدمون أحسن ما لديهم».
ويرى اللعبي أنه بالنظر للواقع المعيش «كان من الممكن أن نتوقع شعراً متشظياً، غير متجذر في واقع محدد، دون وشائج ملموسة تربطه بأرض ومجتمع وثقافة واستمرارية تاريخية، وهذه كلها نواقص تضع في خانة الإشكاليات كلاً من شعور الانتماء والاعتراف والمطالبة بهوية خاصة. والحال أن الأمر غير ذلك تماماً».
وختم اللعبي بأنهم وجدوا في ترجمة هذا الشعر يُسْراً، كما وجدوا فيها لذة، داعياً القراء إلى فتح المجال أمام هذا الشعر لكي «يفتح أعيننا وقلوبنا من جديد، ويُعيد إحياء حسنا التشاركي، وإجمالاً أن يربطنا بالقيم النفيسة لإنسانيتنا».
وضمت الأنطولوجيا اختيارات من شعر رجاء غانم وأشرف الزغل وأنس العيلة وجمانة مصطفى ونجوان درويش ورولا سرحان وهلا الشروف وغياث المدهون ومروان مخلوف وخالد سليمان الناصري وأشرف فياض ومايا أبو الحيات وكوليت أبو حسين ورائد وحش وهند جودة وطارق حمدان وأسماء عزايزة وداليا طه ونداء عوينة وأمينة أبو صفط وهشام أبو عساكر وحسن مخلوف ورزان بنورة وإيناس سلطان ويحيى عاشور.






Source link

حكاية الرجل الذي ظل يضحك حتى في مماته


حكاية الرجل الذي ظل يضحك حتى في مماته

«فم يملؤه التراب» للسلافي شيبانوفيتش بترجمة عربية


الاثنين – 27 رجب 1443 هـ – 28 فبراير 2022 مـ رقم العدد [
15798]


صدوق نور الدين

تضعنا رواية «فم يملؤه التراب» (دار أثر/ 2021)، أمام تجربة روائية تنضاف لتراث الرواية العالمية المترجم إلى اللغة العربية، بالتحديد عن الأدب السلافي الذي خبر القارئ العربي بعض عوالمه تأسيساً من رواية «جسر على نهر درينا» لإيفو أندريتش (1892/ 1975). والواقع أن فرادة هذه التجربة التي أقدم على ترجمتها بكفاءة واقتدار الروائي أحمد الويزي، تتمثل في طبيعة الصوغ الروائي التجريبي. فالروائي برنيمر شيبانوفيتش (1937/ 2020)، اختار بناء الرواية معتمداً التداخل بين نصين: نص إطار يشكل نواة الرواية. ويتفرع عنه/منه نص مؤطر يستكمل البناء ويوسع دوائر المعنى. من ثم يتناوب على مستوى الحكي النصان وفق التمييز بين خطين: باهت ومضغوط، إذ وحتى في غياب التفريق، فإن وجهة النظر المعتمدة التي يحيل عليها الضمير (نحن)، في مقابل الغائب (هو)، تقود إلى التصور الشكلي للكتابة الروائية التي تعد اختياراً للإنجاز الروائي.
تنفتح الرواية على النص – الإطار وتنغلق عليه. وترتبط بشخصيتين: واحدة تحمل الاسم العلم «ياكوف» والثانية بدون اسم، وتعتمد ضمير المتكلم (نحن). وأما الحكاية فتتجسد في كونهما قطعا شوطاً من رحلتهما بالقطار، ليتحقق اجتياز البقية مشياً على الأقدام. وأمام منظر طبيعي نصبا خيمة بحثاً عن الاستقرار والراحة. لكنها تكسرت عند رؤية شخصية تأتي في نظرهما أفعالاً غريبة:
«كان ذلك الشخص الذي تراءى لنا، مثل نقطة سوداء غامقة. شبيهاً إلى حد ما بحشرة عملاقة كان. توقف في مكان غير بعيد عنا، فأدركنا من خلال حركة كتفيه، وقبل أن يتنسى له حتى النبس بأي سؤال، بأنه لم يتوقف تحديداً، إلا بنية مبيتة». (ص/ 19)
من ثم ستلوذ هذه الشخصية بالفرار لتتم ملاحقتها التي انضم إليها أحد الرعاة في البداية، ثم مجموعة من الأشخاص الذين يرغبون التعرف على الأسباب الداعية للهروب. وعلى امتداد الرواية سيبرز السؤال:
ماذا سيحدث؟ كيف سيتم القبض على هذه الشخصية اللغز والملغزة؟ ثم ما السبب الداعي إلى هروبها؟ وينتهي النص الإطار بالعثور على الشخصية ميتة والفم مملوء بالتراب دون معرفة حقيقة هروبها التي تستجلى انطلاقاً من النص المؤطر.
«بالفعل عثرنا عليه فوق تلك الصخرة. كان يضطجع فوق العشب، وهو ممدد على ظهره، وعار تماماً؟» (ص/72)
«كان فكه مليئاً بالتراب، وبما لست أدري أي عشب كريه الرائحة». (ص/73)
لا تحمل الشخصية في النص المؤطر اسماً محدداً. ويتم سرد حكايتها باعتماد ضمير الغائب (هو) كما سلف. فهي تعاني من مرض غير محدد نوعه في الرواية، إذ وبعد إجراء فحص لتاريخه ستكتشف الشخصية أن أيامها في الحياة باتت معدودة، وستختار الفرار بحثاً عن موت هادئ منعزل ما دامت تعيش منفردة بعد فقدان الوالدين.
«لقد أصاب الاختيار فعلاً، حين أذعن لرغبته الجامحة في الفرار، تحت جنح الليل، إلى أبعد نقطة ممكنة، هرباً من البشر، ومن كل ما بمقدوره الدفع به، ولو للحظة واحدة، إلى البحث عن مساعدة أو عزاء». (ص/17)وتستحضر الشخصية حكاية الجد الأعلى «يوكسيم» الذي لم يخضع لطقوس الموت، حيث أقدم على تكسير تابوته والتهام كمية اللحم المخصصة للمعزين، وكأنه بهذا السلوك يبعث من جديد ويحتمي بالسخرية ممن يترقبون موته. وبذلك فالشخصية – وهي تستحضر – تستمد قوة الصمود والمواجهة:
«ألن يجد هو في الحنق أيضاً، مثله مثل يوكسيم العجوز، الذي ينتسب إلى سلالته، الخلاص الذي لم يستطع إيجاده في الحب؟» (ص/56) وإذا كانت الشخصية أفلحت بالفعل في الفرار، فإن الموت لاحقها في ضوء كون الوجود الفعلي والحق لأي شخصية لا يمكن تحققه في غياب الحب والجمال.
إن الناظم الرئيس للحكايتين (الإطار والمؤطرة) فكرة الموت. إنه الحقيقة الثابتة التي مهما حاولنا الهروب منها تظل تلاحقنا. وهي – بالطبع – فكرة فلسفية تدرج الروائي في إيصال معناها معتمداً إيقاع التسريع والتبطيء.
فالتسريع يتحقق لحظة الفرار والملاحقة، والتبطيء يستشف لما تتوقف الشخصيات عن الجري.
* كاتب مغربي
ويبقى القول بأن هذه التحفة الأدبية التي اختار الروائي أحمد الويزي، ترجمتها، تجسيد دقيق لوعي أدبي وجمالي سام ورفيع.



Art





Source link

«قلمي جناح طائر»… قصص قصيرة لكاتبات أفغانيات


«قلمي جناح طائر»… قصص قصيرة لكاتبات أفغانيات

تعتمد على تجاربهن في العيش وسط العنف


الاثنين – 27 رجب 1443 هـ – 28 فبراير 2022 مـ رقم العدد [
15798]


لوسي نايت ترجمة: سعد البازعي

المختارات نقطة انطلاق للمّ شمل الكاتبات الأفغانيات وجعل أصواتهن مسموعة في العالم
حين قررت لوسي حنه أن تجمع مختارات من القصص القصيرة لنساء أفغانيات عام 2019 كان واضحاً أن ذلك مشروع هائل الطموح. معظم المؤلفين المشاركين لم يسبق أن أُتيحت لهم الفرصة للعمل مع محرر. إحدى المشاركات أرسلت قصتها عبر «واتساب» في صور التقطتها لصفحات مكتوبة بخط اليد. أخرى سبق لها أن نشرت عملها على الإنترنت لكن دون أن يُطبع. قالت: «لم يسبق أن التقيت ناشراً محلياً مستعداً لنشر كتاب دون أن يطلب المال من المؤلف. ومن المستحيل العثور على ناشر أجنبي يريد قراءة أي كتاب إن لم يكن عن الحرب».
ثم ألقى «كوفيد – 19» بظلاله عام 2020 لتتبعه عودة «طالبان» إلى السلطة عام 2021. «كان عملاً صعباً» باعتراف حنه، وهي موظفة سابقة في «بي بي سي» ساعدت على إنشاء «غرفة الكتّاب لدى (بي بي سي)». نُشرت مختارات «قلمي جناح طائر» هذا الأسبوع من خلال مطبعة «ماكليهوس»، لكن لم يسبق لكثير من فريق العمل أن التقوا. نظراً لكون 18 من الكتاب من أفغانستان (استطاع عشرة منهم أن يخرجوا منها منذ ذلك الحين)، ووجود المحرر في سريلانكا والمترجمين في المملكة المتحدة، كان مما لا مفر منه أن يكون التواصل افتراضياً. حقيقة أن الكتاب منشور الآن كانت نتيجة أنه كان جهداً جماعياً اعتمد على «ثقة الجميع بعضهم ببعض»، كما تقول حنه.
أدارت المشروع منظمة أسستها حنه لدعم عمل الكتاب المهمشين، هي «سرديات لم تُروَ». حين كانت حنه في أفغانستان قبل أربعة أعوام تعمل مع كتاب سيناريو تحدثت مع كاتبات أفغانيات كان يمكن الاستعانة بهن للعمل في دراما إذاعية، لكنهن وجدن أن من الصعب نشر أعمالهن السردية. ولعزمها على تقديم المساعدة سعت حنه عند عودتها إلى المملكة المتحدة إلى جمع المبلغ اللازم ليولَد مشروع «كتابة أفغانستان».
بعد دعوتين مفتوحين عبر أفغانستان لتقديم النصوص، مع تركيز الدعوة الثانية على مناطق معزولة د، قرأ القائمون على مشروع «سرديات لم تُروَ» نحو 300 نص قبل اختيار 18 كاتبة ليسهموا في «قلمي جناح طائر».
يعتمد الكثير من القصص على تجارب الكاتبات في العيش وسط العنف. فقصة زينب أخلاقي «بلوسوم»، مثلاً، تكتب عن التفجير الفعلي لمدرسة سيد الشهداء الثانوية في كابل. تنتهي القصة بأمل مفعم بالتحدي: تقرر راويتها الشابة نكبخت أن «تُظهر بعض الشجاعة في وجه كفاحنا» وتقرر العودة إلى المدرسة.
وجدت أخلاقي إحساساً مشابهاً بالأمل حين أدركت أن عملها سيصل إلى مختلف أنحاء العالم. تقول: «في الأيام الأسوأ من تاريخ بلادي، منحني (العمل مع «ما لم يروَ») الأمل والعزيمة لأكتب». وتضيف حنه أن «هذه الكاتبات لا يحصلن على الدعم الذي يحصل عليه الكتاب البريطانيون في بداياتهم. ولذا فإن هذا المشروع يتعلق بتشجيع حراس البوابة في العالم على الترحيب بالأصوات المترجمة التي قد لا تمتلك بالضرورة بنية تحتية إبداعية تدعمهم».
ماري بامياني، التي تتمحور قصتها «البقرة السوداء» حول أم تكافح لتوفير العيش لأسرتها، تتحدث بحرارة عن أهمية الاستماع إلى أصوات الأفغانيات. تقول إن مختارات «(قلمي جناح طائر) هي نقطة الانطلاق للمّ شمل الكاتبات الأفغانيات وجعل أصواتهن مسموعة في العالم. على العالم ألا يترك هذا الضوء ينطفئ».
*عن جريدة «الغارديان» البريطانية.



Art





Source link

«الجمال المضاد»… تأملات نقدية في الفن والعمارة


سمير غريب يكشف جوانب من تاريخ الحركة التشكيلية العربية

يستهل الناقد التشكيلي سمير غريب كتابه «الجمال المضاد» الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالإشارة إلى بعض المفاهيم التأسيسية التي يستند إليها في عمله، منها مرجعية الناقد في الحكم على الأشياء والتي تأتي من توافر عناصر مهمة، يرى أولها التمتع بالخيال الرحب، إذ لا يمكن أن يحاكم الناقد عملاً فنياً يقوم على الخيال دون أن يمتلك هو نفسه خيالاً مقابلاً، مؤكداً أنه إذا كان الفنان مبدعاً فالناقد أيضاً كذلك مع اختلاف الوسيلة، فضلاً عن أهمية تمتعه بذوق شخصي والكثير من الثقافة العامة والتمكن من اللغة التي يكتب بها على نحو يجعله يمتلك أسلوباً خاصاً به في النقد، لافتاً إلى أن هناك النقاد الطليعيين المنفتحين على الابتكارات الفنية المتمردة والثورية، مقابل الرجعيين الذين يدافعون عن نظام التفكير والقيم والفن المألوف اجتماعياً الذي يتوافق معهم.
يقع الكتاب في (431) صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن تأملات نقدية في الفن والعمارة عربياً وعالمياً، سواء عبر استعراض نماذج تطبيقية، ورصد لمحطات وجوانب مهمة من تاريخ التشكيل العربي والفن عموماً. ويتوقف المؤلف عند عام 1550 الذي شهد صدور كتاب جورجيو فاساري «حياة أبرز المهندسين المعماريين والرسامين والنحاتين الإيطاليين» حيث يعد الأول في تاريخ الفن والفنانين ويمكن تسميته التاريخ النقدي لعصر بأكمله لأن فاساري لا يوثق تطور فن عصر النهضة فحسب، بل يضع أيضاً معايير للقيمة الفنية ويطرح على أساسها تسلسلاً هرمياً للفنانين.
ويوضح أن النقد الفني نما بشكل كبير في القرن التاسع عشر عندما بدأ الفنانون في صنع أعمال ذات مستقبل غامض بدلاً من العمل مع الكنيسة أو الدولة التي طالب مسؤولوها في كثير من الأحيان الفنانين بالالتزام الآيديولوجي والأسلوبي فأصبح الفنانون مستقلين ومنتجين متحمسين لسوق لم تكن موجودة من قبل بالطبع. ويرصد غريب في هذا السياق أصداء دعوة الفنانين الانطباعيين مثل كوربيه ومانيه إلى نظريات جديدة جذرية في التصوير متقمصين دور الدعوة النقدية في وقت لم يكن فيه النقاد المعاصرون لهم يدعمون التطورات الطليعية في كثير من الأحيان، حيث كان للمصورين ما بعد الانطباعيين بول غوغان وفينسنت فان جوخ اللذين استفادا من التطورات التقنية وبخاصة اللونية لدى الانطباعيين حظ نقدي أفضل تمثل إلى حد كبير في شخص الناقد الفرنسي العظيم ألبير أوريه الذي كتب أول مقال على الإطلاق عن فان جوخ 1890 وقدم فيه رؤية إيجابية للغاية.

حكاية «آمي نمر»
ومن التنظير إلى التطبيق، يفرد المؤلف مساحة كبيرة لنموذج نسائي خاص لا يحظى بالأضواء في تاريخ الحركة التشكيلية العربية متمثلاً في الفنانة المصرية آمي نمر (1898 – 1962) التي سافرت إلى إنجلترا حيث درست في مدرسة «سلاد» للفنون الجميلة بلندن كما تعلمت الفن في باريس وروما، وتزوجت عام 1932 من والتر سمارت المستشار الشرقي الموصوف بالمثقف المستنير للسفارة البريطانية في القاهرة. كان سمارت متخصصاً في الدراسات الفارسية والعربية، وحصل على لقب «سير»، وهو أول من أتاح فرصة عمل للورانس داريل، مؤلف رواية «رباعية الإسكندرية» الشهيرة، في وزارة الإعلام البريطانية. كانت فيلا الزوجية الفاخرة التي أقامت فيها آمي في حي الزمالك مخصصة لكبار الموظفين البريطانيين في مصر، وكانت هي وزوجها يستضيفان فيه شخصيات من كل الشرق الأوسط وأوروبا. وعلى سبيل المثال، زار الشاعر والمتمصر جون موسكاتيللي عام 1937 بيت آمي في الزمالك ووصفه في حديث معها نشرته جريدة «الأسبوع المصري» باللغة الفرنسية، ومما جاء فيه: «استقبلتني في مرسمها الوردي اللون حيث بعض اللوحات معلقة على الحائط، لوحات أخرى مبعثرة، بيانو في ركن وفوقه بعض التحف. قالت لي إنها لا تلعب البيانو لكنها تحب أن تستمع إلى أصدقائها عندما يعزفون عليه وبخاصة عندما يعزف أحدهم عملاً لباخ. يواجه مكتبها نافذة يرى الواحد منها الشمس في سماء حي الزمالك».
ظهرت موهبتها في الرسم مبكراً فأرسلها والدها لتتعلمه في إنجلترا وكان عمرها خمسة عشر عاماً، بعد ذلك ترددت على مرسم والتر سيكرت، صديق الفنانين الفرنسيين ديجا ومونيه، وتعلمت منه التأثيرية. عندما عادت إلى مصر كان عليها أن ترسم بمفردها لخمس أو ست سنوات، وفي باريس اهتم بها الفنان والناقد الفرنسي أندريه لوت.
كان عمرها سبعة عشر عاما عندما أقامت معرضها الأول، ووافق منظمو «صالون الخريف» على مشاركتها بلوحتين هما «عاطفة» و«مشهد من مقهى». في عام 1928 عرضت لوحتها عن طبيعة صامتة في غاليري «وارين» في لندن في معرض مشترك مع الروائي الشهير د.ه.لورانس. وفي عام 1930 شاركت في معرض بعنوان «زهور وفواكه» في غاليري «فيرتهيم» في باريس، ثم في عام 1932 حظيت بشرف اختيار لوحتين من لوحات الوجوه التي رسمتها لتشارك بهما في معرض «مائة عام من التصوير الفرنسي للوجوه منذ آنجر»، كما شاركت في معرض صالون القاهرة. وكانت آمي نمر أول من اقترح منح الفنانين المصريين الشبان تفرغاً لدراسة الفن خارج مصر وبالتحديد في إيطاليا، الأمر الذي طبّقته الدولة بعد ذلك من خلال إقامة «الأكاديمية المصرية للفنون بروما» كما كانت أول فنانة تذهب إلى صحراء أسوان في صعيد مصر لترسم الروح الشرقية المتوهجة.
في نهاية الثلاثينات من القرن العشرين تعرفت آمي على جورج حنين، مؤسس الحركة السريالية في مصر، وتعرفت معه على باقي أعضاء جماعة «الفن والحرية» المعبّرة عن هذه الحركة. اشتركت معهم في معارضهم التي أقاموها في الأربعينات في القاهرة تحت عنوان «الفن الحر». من هنا دخلت آمي عالم السريالية التي ظهرت في لوحاتها بطابعها الخاص حيث اتسمت بالتشاؤم مع الاهتمام بدراسة الضوء وبدت أشكالها أقل نحتية وألوانها باردة، كما كشفت موضوعاتها عن أحلام مصحوبة بشكوك تجاه الواقع فكانت تميل إلى تصوير شخوص تبدو مصابة بفقر الدم. ومن لوحاتها السريالية «دراسة تحت الماء» تصور فيها هيكلاً عظمياً تغمره الأسماك ببرودة وهدوء.

فنانات سعوديات
وتحت عنوان «تأملات عربية» يشير غريب إلى أنه فوجئ بحجم المعارض التي شاركت فيها فنانات سعوديات، والأمر لا يتوقف عند الكم فقط فقد فوجئ كذلك بحجم التميز في أعمال عدد كبير منهن مثل جوهرة آل سعود، ومنال الدويان، والشقيقتين رجاء وشادية عالم اللتين شاركتا في «بينالي فينسيا الدولي 2011» في أول وجود لاسم المملكة في هذا البينالي العريق. وهناك أيضاً هبة عابد التي شاركت في بينالي فينسيا أيضاً عام 2013 مع سارة العبدلي ونورا بوزو وغيرهن كثيرات ممن درسن الفنون ويعرضن في أوروبا والولايات المتحدة على نحو يغيّر صورة المرأة الخليجية التقليدية لدى الرأي العام الغربي.
ويبدي غريب اهتماماً خاصاً بتجربة جوهرة آل سعود، مشيراً إلى أنها درست نظرية الفيلم وحصلت على ماجستير في الفنون وهي من الفنانات التي تفصح أعمالهن بوضوح عن توجه نسوي، مشدداً على أن هذا التوجه لا علاقة له بقيمة العمل الفني، فالإبداع يقيّم في ذاته ولا علاقة له بجنس المبدع. ومن أعمال جوهرة المتميزة في ذاتها تلك الأعمال الطباعية بالأبيض والأسود الداكن التي تبدو تعبيراً عن صبر الأنثى وشغلها اليدوي في بناء نسيج قوي أو بناءٍ صرحيّ في حجم اللوحة.

مليكة ورسلان
وعلى الطرف الآخر من العالم العربي، وتحديداً في المغرب، يلفت المؤلف إلى أن هناك من تذكّرك بجوهرة السعودية وهي الفنانة مليكة صقلّي، فقد تعلمت الفن وتعرضه في أوروبا والولايات المتحدة كما تفصح أعمالها هي الأخرى عن نسويتها، يبرز ذلك على نحو خاص في سلسلة رسوماتها «بالأبيض والأسود» التي سمّتها «مشربية» واستوحت فيها تشكيل المشربية للضوء والظل وعلاقته بالملامح الأنثوية. وبالمكان كحامل لرؤية وتاريخ.
ومن الأجيال الأكثر حداثة في مسيرة الفن المصري المعاصر، يتوقف غريب عند تجربة الفنان المصري أشرف رسلان الذي يعيش وحيداً في مرسمه الصغير خارج أطراف مدينة القاهرة، لا شيء يصاحبه سوى الموسيقى. اختار الحياة في مكان ناءٍ يضم بعض الفنانين وقليلاً من البشر، يلتقط ملامحهم ويرسمهم بأسلوب مشرق يجنح إلى التشخيصية وإن لم يرسمهم يرسم طبيعة صامتة أو بيوتاً على وشك الكلام أو واحداً من البشر يتنفس في بيت صامت.
يشار إلى أن سمير غريب، أحد الباحثين الدؤوبين في الفن التشكيلي، ومن أبرز مؤلفاته «السيريالية في مصر»، و«في تأريخ الفنون الجميلة»، و«معارك العمران». شغل عدداً من المناصب المهمة منها: مدير الأكاديمية المصرية في روما، ورئيس كل من صندوق التنمية الثقافية، ودار الكتب والوثائق القومية، وجهاز التنسيق الحضاري.






Source link

مئوية ساراماغو… أزهار زيتون تحمل أسماء شخصيات رواياته


مئوية ساراماغو… أزهار زيتون تحمل أسماء شخصيات رواياته

أرملته تعيد نشر عمله الأول


الأحد – 26 رجب 1443 هـ – 27 فبراير 2022 مـ رقم العدد [
15797]


ساراماغو – أرملته

لشبونة: شوقي الريّس

في عام 1946، وضع جوزيه ساراماغو كتابه الأول: «الأرملة»، الذي صدر بعنوان آخر اختاره الناشر هو «الأرض الآثمة» لاعتباره أن العنوان الأصلي ليس تجارياً، واشترط لنشره عدم توقيع أي عقد مع الكاتب الذي لم يتقاضَ فلساً واحداً عنه «لكنه شعر بسعادة غامرة لنشر أول كتاب له»، كما تقول أرملته الإسبانية بيلار دل ريّو رئيسة المؤسسة التي تحمل اسمه ومترجمة جميع أعماله، التي قررت إعادة نشره تحت العنوان الأول في إطار التحضيرات للاحتفال بمئوية مولد ساراماغو هذه السنة.
تدور أحداث «الأرملة» حول الضغوط الاجتماعية التي تعرّضت لها امرأة من أقارب الكاتب، عندما كانت تحاول إعادة ترتيب حياتها بعد وفاة زوجها. وقد كتبها ساراماغو عندما كان يعمل موظفاً إدارياً في مستشفيات لشبونة المدنية، وحملها إلى دار نشر مغمورة متخصصة بنشر بواكير الكتّاب الناشئين. لكن رغم التأثر الشديد لصدور كتابه الأول وإبلاغ عائلته وأصدقائه بانفتاح أبواب الأدب البرتغالي أمامه، مرّت الرواية مرور الكرام، واستمرّت منسيّة طوال سنوات عديدة.
وتقول دل ريّو إنها عثرت منذ عامين، بمحض الصدفة، على نسخة كان يملكها ساراماغو من الطبعة الأولى للكتاب خلال هدم أحد المنازل التي سكناها في لشبونة قبل الانتقال للإقامة بشكل نهائي في جزيرة لانزاروتي من أرخبيل الكناري الإسباني. وتضيف مستغربة: «كان الكتاب الوحيد الموجود في ذلك المنزل، ولا نعرف لماذا كان محفوظاً بعناية وملفوفاً بأوراق ناعمة بعيداً عن الأعين. لكنها صدفة جميلة وشاعريّة».
لكن مع بلوغ ساراماغو الشهرة العالمية، وحصوله على جائزة نوبل في عام 1998، بدأ المختصون يهتمون بمعرفة المزيد عن باكورة أعمال صاحب «مبحث في العمى» و«الانجيل بحسب يسوع المسيح»، خاصة أن الكاتب كان رفض عدة مرات إعادة نشره، لأنه كان يُعتبر أن «لا علاقة له بأسلوب ساراماغو»، كما تقول أرملته، إلى أن تمكّن صديقه ومفوّض الاحتفالات بمئويته كارلوس ريّس من إقناعه بإصداره في طبعة ثانية لمساعدة الباحثين في أعماله. ويعترف ريّس بأن كتاب «الأرملة» يختلف كثيراً عن أعمال ساراماغو اللاحقة التي يجمع بينها رابط مشترك من حيث الأسلوب والمواضيع التي تعالجها، لكنه مصدر أساسي للكشف عن حقبة أساسية في حياة الكاتب، طالما أكد أنها كانت حاسمة في تكوين شخصيته الإنسانية والأدبية، وهي الحقبة التي أمضاها إلى جانب جدِّه وجدّته في القرية.
كان ساراماغو يردّد أنه لم يعرف في حياته رجلاً أكثر حكمة من جدّه لأمه، الذي «رغم أنه كان يجهل القراءة والكتابة، كان قادراً على تحريك عجلة الكون بمجرد أن يتفوّه بعبارتين وهو جالس في ظل شجرة التين الوارفة»، كما ذكر في خطاب تسلمه جائزة نوبل أمام الأكاديمية السويدية.
في ذلك الخطاب، حكى ساراماغو كيف أن جدّته «التي كانت ذات جمال غير عادي، عندما دنت من عتبة الموت ابتسمت، وقالت: (العالم جميل جداً، وأنا أشعر بالأسى لأنني سأموت). قالت إنها تشعر بالأسى، وليس بالخوف»، وكيف أن جدّه عندما شعر بقرب ساعته الأخيرة خرج إلى الحقل أمام منزله وراح يعانق الأشجار واحدة تلو الأخرى ويودّعها باكياً ويقبّلها، لأنه كان يعرف أنه لن يعود قادراً على رؤيتها بعد ذلك اليوم».
تلك الحقبة كانت مفصلية في حياة ساراماغو الذي قال عنها إنه عندما بدأ يصفها ويكتب عن جدّه وجدّته وأقربائه وأصدقائه في القرية التي عاش فيها حافياً حتى الرابعة عشرة من عمره «أدركتُ أني بتحويلي أولئك الأشخاص العاديين إلى شخصيات أدبية كنت أسعى إلى عدم نسيانهم وإبقائهم أحياءً من خلال تلك الصور التي كان يرسمها قلم الذاكرة بألوان نضرة وأضواء تنسدل على حياة عاشوها في الظل ومن غير أفق».
هذه الطبعة الجديدة من «الأرملة» هي الكتاب الأول في «مكتبة ساراماغو»، التي قوامها إصدارات خاصة لجميع أعمال الكاتب بمناسبة مرور مائة عام على مولده، ضمن سلسلة من الاحتفالات في البرتغال والبرازيل وإسبانيا والمكسيك والولايات المتحدة وبلغاريا. ومن المقرر أن تصدر في أبريل (نيسان) المقبل طبعة خاصة من كتاب «رحلة إلى البرتغال» تتضمّن صوراً تنشر للمرة الأولى التقطها ساراماغو لأماكن كان يحب التردد إليها. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) تنتقل الاحتفالات إلى بلدة تيّاس من أعمال جزيرة لانزاروتي التي أمضى الكاتب فيها سنواته الأخيرة، ثم إلى مسقط رأسه في البرتغال حيث ستُزرع مائة شجرة زيتون تحمل كل واحدة منها اسم شخصية من رواياته. وتجدر الإشارة أن شجرة الزيتون كان لها موقع خاص عند ساراماغو، لأنها كانت تشكّل عنصراً أساسياً من مشاهد طفولته، ورفاته ترقد اليوم تحت زيتونة عتيقة كما كان طلب في وصيته.
كان ساراماغو كاتباً مِئخاراً؛ نشر كتابه الأول عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، لكن كتابه الثاني لم يصدر قبل بلوغه التاسعة والثلاثين، وبعد أن مارس مهناً متعددة من بينها الصحافة. وعندما حصل على جائزة «نوبل» جاء في بيان الأكاديمية السويدية عند إعلانها النبأ أنها قررت تكريمه «لأن أعماله كشفت المواطن الملتبسة في واقع غامض وعصي، روّضه بالاستعارات والسخرية والخيال».
وضع ساراماغو ما يزيد على عشرين رواية وخمس مسرحيّات وعدداً كبيراً من البحوث والقصص القصيرة. وقد أثارت بعض أعماله، مثل «مذكرة الدير» و«قايين»، وخاصة «الإنجيل بحسب يسوع المسيح»، جدلاً واسعاً، وعرّضته لانتقادات شديدة من الأوساط الدينية والمحافِظة، حتى إن الحكومة البرتغالية، بضغط من «الفاتيكان»، منعت ترشيح الرواية لإحدى الجوائز الأوروبية المهمة. وعندما سألته صحافية عن ردة فعله على تلك الواقعة، أجاب: «مثلما لدي هرمون يُنبت الشعر في ذقني، لديّ هرمون آخر يجبرني، بسلطة قدر بيولوجي أعجز عن مقاومتها، أن أكون شيوعياً».



البرتغال


Art





Source link

الأشعري يجمع أعمدة «عين العقل» بعد 30 سنة من كتابتها


صدر حديثاً للأديب والكاتب والسياسي محمد الأشعري مؤلفاً تحت عنوان «عين العقل (6 ديسمبر/ كانون الأول 1990 – 27 فبراير/ شباط 1998)»، الذي يضم سلسلة مقالات نشرها صاحبها على الصفحة الأولى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» خلال تسعينات القرن الماضي ضمن عمود صحافي يحمل الاسم نفسه.
ويقول الأشعري، في تقديمه للكتاب الواقع في 741 صفحة من القطع المتوسط،: «ترددت كثيراً» قبل نشر هذا الإصدار على اعتبار أن العمود الصحافي اليومي أو شبه اليومي إنما هو «كتابة آنيّة، ملتصقة بلحظتها وبسياقها (…) ومنذورة للاستهلاك اليومي بما يعنيه ذلك من أثر عابر وتأويل سريع الأحداث ولدلالاتها المتشابكة».
ويضيف أنه غيّر رأيه هذا لسببين، يتمثل أولهما في «ما عدّه أصدقاء أعزاء، أهمية توثيقية لمرحلة من أهم المراحل السياسية في المغرب المستقل، مرحلة تسعينات القرن الماضي، وهي فترة عَرفت الكثير من الأحداث الوطنية والعربية والدولية التي كانت لها أهميتها القصوى وتأثيرها القوي في تشكيل ملامح المرحلة التي تلتها (النضالات الاجتماعية في المغرب، وتطورات القضية الفلسطينية، والحرب على العراق، والقطبية الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي… وغيرها)».
وفي واقع الأمر، يقول الأشعري، فإن جمع هذه المقالات التي «اختصت برصد هذه الأحداث، ومحاولة فهمها وتأويلها بالنقد والسخرية والتساؤل، قد يفيد في تحقيق قراءة أخرى، غير قراءة اللحظة، تنظر إلى المرحلة ككل، وليس يوماً بيوم» لا سيما بعد مرور ثلاثين سنة على ميلاد «عين العقل».
أما السبب الثاني «فيتمثل في كون هذه المقالات لها علاقة وثيقة ببيت الكتابة الذي أقيمُ فيه منذ أمد بعيد. إنها تحمل كل شغفي باللغة التي أكتب بها، شعراً ونثراً، تحمل ملامحي، في الحياة وفي الكلمات التي أنسجها».
ويتطرق الكتاب إلى تفاصيل ومعطيات، ومنها اعتماد (أبو فارس) اسماً مستعاراً لتوقيع العمود في مرحلة من المراحل، وسبب اختيار عنوان فيما بعد. ويقول عن هذا التغيير: «كانت النية في البداية أن يكون خفيفاً موجزاً وساخراً إن أمكن، قبل أن يتحول تدريجياً إلى معبّر عن رأي يشترك في اعتناقه كثير من الناس، ويصبح، شأنه شأن أي عمود رأي، رأياً مضاداً، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل فصله عن الخلفية السياسية والآيديولوجية التي تؤطر كاتبه».
وعن جدوى قراءة «عين العقل» بعد مرور مدة ثلاثين سنة على كتابته، يقول المؤلف: «من الجائز أن يُقرأ هذا العمل كنموذج من كلاسيكيات الكتابة الصحافية في بلادنا، أيام كانت الحياة السياسية تعيش مخاضاً عسيراً لمحاولة فتح صفحة جديدة في تاريخ المغرب المستقل، وأيام كانت الصحافة الحزبية تشغل حيزاً واسعاً من المهنة، وأيام كانت البلاد من دون إنترنت ولا هواتف ذكية ولا شبكات تواصل اجتماعي».
وبهذا المعنى، يضيف، يمكن أن يفيد هذا الكتاب إلى حد ما في فهم المرحلة التي سبقت حدوث التناوب السياسي من خلال «نضالاتها الاجتماعية، ومراهناتها السياسية، وتجاذباتها حول الإصلاح السياسي، وتغيير القوانين الانتخابية وإجراء انتخابات نزيهة، وغيرها من القضايا».
وحسب الأشعري، فإنه «من المؤكد أن فهم هذه المرحلة قد أصبح اليوم ضرورة قصوى للقيام بنقد موضوعي للتجربة، لا يتوقف فقط عند ما هو متكرر ومعاد، أو عند القطائع المستحيلة، بل يتجاوز ذلك إلى بناء تصور جديد للتغيير، نفسه، ذلك أن المغرب يحتاج اليوم إلى مشروع آخر تحمله أجيال جديدة في واقع تآكلت فيه الأحزاب السياسية، وتضاءلت فيه النقابات، وحصل شرخ كبير في الثقة بين المواطن والفاعل السياسي».
كما أنه «من الجائز أيضاً أن يُقرأ الكتاب فقط كما هو»، أي «ككتابة تنتمي لجنس الأدب الصحافي، بكل ما يحتمل في هذا الجنس من نزوع إلى التاريخ والمحو، أي إلى ابتكار وجه آخر للواقع لا يتجلى إلا بالكتابة».






Source link

«الإمساك بالقمر»… قبس من سيرة الأمر المحال


الورداني يضعنا وسط مناخ أدبي وسياسي مفعم بالحياة

قلة من كُتَّاب السيرة والمذكرات يلتزمون بأماكنهم التي كانت لهم في الماضي، بينما يعمد كثيرون إلى توسيع أدوارهم وتقدم الصفوف وإنشاء سردية جديدة تضع ذواتهم في المركز.
وأعذب ما في كتاب محمود الورداني الجديد «الإمساك بالقمر… فصول من سيرة زماننا» هو محمود الورداني نفسه، الذي تعرفه الساحة الأدبية روائياً وقاصاً متصوفاً في سلوكه الاستغنائي. وقد تبدت هذه الروح في الكتاب، وظهرت تلك الذات من حيث كانت الرغبة في إخفائها.
في الكتاب الصادر حديثاً عن دار الشروق بالقاهرة، يروي الورداني تجربة جماعية، من أقسى وأغنى التجارب التي يمكن أن تمر بها أوطان؛ حيث انتهى حلم جماعي كبير بكابوس هزيمة مروعة، لكن ذلك لم يطفئ الأرواح التي ظلت على حيويتها، وتفجر في ذلك الجو كثير من المواهب.
نشر الورداني فصولاً من هذا الكتاب في أسبوعية «أخبار الأدب» تحت عنوان «زمن القليوبي» كان محركها رحيل صديقه المخرج محمد القليوبي عام 2017. وكانت بداية تعارفهما عندما حضر الورداني ابن العشرين أول اجتماع لخلية سرية في بيت القليوبي عام 1970. وقد كان واحداً من جيل الغضب الذي حاول الإمساك بالقمر، فوجد في يده إذلال هزيمة مروعة.
امتد خيط الكتابة عن زمن القليوبي وتشعب، وعند النشر في كتاب صار العنوان «الإمساك بالقمر»، فهل ترددت برأس الورداني أطياف رباعية شاعر العامية الفيلسوف صلاح جاهين…
أنا اللي بالأمر المحال اغتوى
شُفت القمر نطيت لفوق في الهوا
طُلته ما طلتوش إيه أنا يهمني
وليه… ما دام بالنشوة قلبي ارتوى
على كل حال، كان لدى كل من عاش تلك الأيام إحساس بأنه قد أمسك بالقمر، قبل أن تتهاوى شعارات عبد الناصر البراقة على هول هزيمة لم تزل نتائجها تتفاعل إلى اليوم. وربما كان المفجوعون بتلك الهزيمة الكبرى أكثر حظاً ممن واجهوا الهزائم التالية، لأنهم لم يكونوا قد فقدوا ملكة التعبير عن الغضب. رفعوا أصواتهم وفتحت لهم السلطات أبواب السجون بترحابها المعتاد!
يضعنا الكاتب وسط مناخ أدبي وسياسي مفعم بالحياة، أخرج رده على الهزيمة في قصص وروايات وقصائد وأفكار ومنظمات يسارية سرية ضمت كثيراً ممن أُطلق عليهم في مصر تسمية «الأدباء الشبان». وقد كانوا جزءاً من حالة الغضب الوطني من جهة، ومن جهة أخرى لم يكونوا بعيدين عن الغضب العام الذي شمل شباب العالم، فيما عُرف بـ«ثورة الشباب»، لكن النكهة الأساسية كانت مصرية وقومية بعد الهزيمة المروعة لـ3 جيوش عربية أمام إسرائيل.
خرجت في تلك الأثناء مجلة «جاليري 68» المستقلة التي موّلها الأدباء تمويلاً ذاتياً، كما تعاطف معهم عدد من الفنانين وأقاموا معرضاً خصصت حصيلة بيع لوحاته للغرض نفسه. صدرت من المجلة 8 أعداد ثم توقفت، لكنها وضعت بصمتها على الحياة الأدبية بهذه الأعداد الثمانية.
وشهد العام 1968 خروج أول مظاهرة للعمال والطلبة احتجاجاً على المحاكم الصورية لقادة الطيران المسؤولين عن النكسة، بعد عقود من وهم النظام بتأميم المجال العام، كما شهد العام 1969 مؤتمر الأدباء الشبان في مدينة الزقازيق، ومن مساخر المؤتمر – يقول الورداني – انعقاده تحت رعاية شعراوي جمعة وزير الداخلية. وكان هدفه احتواء الأدباء الغاضبين، وهم ما لم يحدث، وصدرت توصيات المؤتمر مذهلة ومتجاوزة كل الأسقف المسموح بها في التعبير في ذلك الوقت.
يعدّ الورداني نفسه وجيله محظوظين بشدة، فمن آثار الهزيمة تم تخفيف القبضة الأمنية والرقابية، وصار بوسع المرء أن يشاهد ما لا يقل عن 4 أفلام جيدة في جمعية الفيلم أسبوعياً، وجمعية سينما الغد، التي خصصت عروضها للأفلام الطليعية، وغير ذلك من المراكز، فضلاً عن المسارح، وبينها مسرح الـ100 كرسي، الذي استضافته جمعية الأدباء، ومسرح الجيب على النيل، شبه المستقل، بعروضه التجريبية المتجاوزة، رغم تبعيته الإدارية للدولة. وبالإضافة إلى كل الكيانات الثقافية المصرية، كانت المراكز الثقافية الأجنبية بالقاهرة تستضيف المعارض التشكيلية والندوات والعروض المسرحية والموسيقية.
وكانت الندوات الأدبية في كل مكان، بعضها مستقل في الأتيليه، وبعضها في دار الأدباء، يذهب إليه الشباب لمجرد السخرية أو من أجل العراك مع المحيطين بيوسف السباعي، أو مع السباعي نفسه، وهناك ندوة الجمعة لنجيب محفوظ في مقهى ريش.
بعد رحيل عبد الناصر المفاجئ، وتولي السادات، يمكننا أن نلمس طريقتين مختلفتين للتعامل مع الثقافة والمثقفين، من باب المنظور فحسب، إذ شهدت الحقبتان اعتقالات الأدباء، لكن تعامل السلطة في الحقبة الناصرية يبدو تعاملاً مع أبناء غاضبين لديهم بعض الحق؛ حيث ازدهر النشاط الثقافي، ونال التعبير الفني مساحات من الحرية، بينما بدأت مع السادات مرحلة ازدراء الثقافة والمثقفين!
جاء السادات بيوسف السباعي وزيراً للثقافة، وهو ألد أعداء اليسار والتقدم والأفكار الحداثية على وجه العموم، وأتى السباعي بطاقم من مسؤولي النشر ينفذون الاتجاه الجديد، انقضوا على مؤسسات الثقافة، يضعون أشباههم من الكتبة الذين عملوا بإخلاص أصحاب ثأر، بدعوى أنهم تعرضوا للتهميش إبان الحكم الناصري.
أُغلقت مجلة الطليعة، وتم استهداف البرنامج الثاني (الثقافي) بالإذاعة، وجرت أكبر حركة تعيين للمعادين للشيوعية على رأس الصحف والمجلات، وأغلق كثير من صالات العرض الفني وتحولت إلى مطاعم.
وكان الرد الحاسم من المثقفين هو مقاطعة منابر إعلامية وثقافية لا تمثلهم، ولم يكن ذلك نتيجة توجيه من تنظيم أو اتفاق، لكنه ردود فعل تلقائية صار لها وجه الإجماع. وشرع الكتّاب في خلق منابرهم المستقلة عبر طباعة الماستر المستقلة، يقول الورداني: «كانت ثورة الماستر استجابة لأشد الظروف إظلاماً واستبداداً في الثقافة المصرية».
لم تقتصر المقاومة على إصدار المجلات الخاصة زهيدة التكاليف، بل ظل الصدام مع السلطة قائماً، ومن أشهر الصدامات بيان المثقفين عام 1973 قبل أشهر قليلة من قرار الحرب، وقد كتبه توفيق الحكيم ووقّعه كبار أدباء مصر، بينهم نجيب محفوظ وأحمد عبد المعطي حجازي لإنهاء حالة اللاسلم واللاحرب، والمطالبة بالإفراج عن الطلاب المعتقلين الذين شاركوا في انتفاضة يناير (كانون الثاني) التي انتهت باعتصام استمر عدة أيام، وتم فضّه بالقوة في فجر يوم 24 يناير، واعتقال نحو 1000 طالب وطالبة، كان الورداني أحد هؤلاء الطلاب المعتقلين، وقد اتخذ السادات قراراً بمنع الموقعين على بيان المثقفين من الكتابة، وفصلهم من الاتحاد الاشتراكي الذي لم يكونوا أعضاءً به!
ضمّت تلك القائمة 111 اسماً، وتم رفع اسم الكاتبين الشهيرين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ في اللحظة الأخيرة تجنباً للفضيحة، وعرفت مصر ظاهرة الطيور المهاجرة. خرج عدد كبير من الصحافيين والأدباء، بينهم أحمد عبد المعطي حجازي، رجاء النقاش، عبد الرحمن الخميسي، محمود السعدني، غالي شكري، وغيرهم ممن عملوا بصحف لبنانية وكويتية وعربية في أوروبا.
يصعب وصف كتاب الورداني بالسيرة أو المذكرات أو التأريخ الأدبي، ولكنه كل ذلك، بالإضافة إلى فن البورتريه، حول شخصيات كانت لها أدوارها في الثقافة وفي حياة الورداني نفسه، من أساتذة مثل عبد الفتاح الجمل، الروائي المشرف على ملحق جريدة المساء الأدبي، وكان النشر فيه تدشيناً للكاتب. يعد الجمل بحق أستاذاً لجيلي الستينات والسبعينات، اللذين يتناولهما الكتاب. ورغم مقاطعة المنابر المصرية التي استمرت نحو 10 سنوات، كانت جريدة المساء استثناءً لوجود عبد الفتاح الجمل بها.
كذلك، يقدم الورداني بورتريهاً فياضاً بالحب ليوسف إدريس، الذي رآه للمرة الأولى عندما سار خلفه في المظاهرة التي قادها احتجاجاً على اغتيال غسان كنفاني عام 1972، «كنت مجرد نفر صغير السن نشر عدداً من القصص عند عبد الفتاح الجمل في جريدة المساء».
لاحقاً سيتم التعارف بين إدريس والورداني، عندما أصدر الأخير مجموعته القصصية الأولى «السير في الحديقة ليلاً» عام 1984 وأشاد بها يوسف إدريس، وعندما هاتفه ليشكره دعاه إلى مكتبه وناقشه باستفاضة من قرأ بانتباه.
وتتردد في الكتاب أنفاس كثير من الأدباء والفنانين، إبراهيم أصلان، سعيد الكفراوي، عبده جبير، جودة خليفة، صلاح هاشم، أسامة الغزولي، عزت عامر، محمد سيف، وغيرهم.
جيلان من الكتاب، بينهم الأخوان الورداني؛ عبد العظيم الأكبر من جيل الستينات، ومحمود من السبعينات؛ حيث لا تقتصر اللقاءات والندوات على الأتيليه ودار الأدباء والمقاهي، بل في البيوت كذلك، وبينها بيت الورداني، كان شقة مفتوحة على الدوام، يعرف كل أصدقاء الشقيقين مكان المفتاح بين حجرين في الجدار بجوار الباب، وكان الجميع ينادي الأم بـ«الرفيقة نعمات» وغيره كانت هناك شقق متعددة، من بينها شقة حي العجوزة التي تُحكى عن سكانها حكايات أسطورية، ويختلف الرواة حول مستأجرها الأصلي، لكثرة ما كانت تستقبل من المثقفين على قدم المساواة.
يعكس «الإمساك بالقمر» طبيعة مرحلة اختلطت فيها الكتابة بالنضال، بعض الكتّاب جاءوا من التنظيمات إلى الكتابة، والبعض أخذتهم الكتابة إلى التنظيمات. وتلتقي الروايات والقصص الجديدة بالانتفاضات المتكررة، وبينها انتفاضة الخبز في يناير 1977 التي خاض بعدها الورداني تجربة هروب من الشرطة حتى الخريف، وستتكرر عمليات الاعتقال مع كل حركة تظاهر. وسيعرف الورداني الاعتقال مجدداً هو وزوجته بعد زواجه، مرة في بداية عام 1981 وأخرى بعد اغتيال السادات بشهر في العام نفسه. كانت فترات الحبس في عقدي السبعينات والثمانينات قصيرة، لأنها لم تكن على حساب قضايا، بل مجرد تقييد للحرية، وتحقيق الفوضى في حياة الشخص وتفريغ طاقته. لم يتعامل الكاتب مع تلك التجارب بمأساوية، بل يستعيدها بغبطة ذكريات حياة جماعية في التريض والقراءة، وممارسة الديمقراطية بين السجناء، من التصويت على قرار بفعل احتجاجي. كما يصف علاقات إنسانية لطيفة تحدث أحياناً مع ضباط متعاطفين.
ويتوقف الورداني بمذكراته في بداية الثمانينات؛ حيث يعتقد أن ما جرى بعد ذلك ينتمي إلى زمن آخر.
كانت تلك إشارة مقتضبة إلى زمن مختلف تبدلت فيه وسائل المواجهة لدى الطرفين؛ حيث تخلت الدولة عن العصبية وبدأت اللعب الناعم الذي أنتج حالة من السيولة، اختلطت فيها المعاني أو سقطت، لذلك يبدو ما سجّله الورداني ضرورياً عن زمن، بات بعيداً جداً.






Source link

«تبييض» سواد البشرة بالشجاعة الخارقة والتفوق «الفحولي»


«تبييض» سواد البشرة بالشجاعة الخارقة والتفوق «الفحولي»

الناقد العراقي حسين زبون مقارباً «عقدة اللون في شعر عنترة وسحيم»


الأربعاء – 22 رجب 1443 هـ – 23 فبراير 2022 مـ رقم العدد [
15793]


شوقي بزيع

لطالما اكتسبت الألوان عند البشر دلالات نفسية واجتماعية وطقوسية تتفاوت قراءتها من فرد إلى فرد ومن جماعة إلى جماعة. لا بل إن لها من الظلال والترجيعات ما يجعلها تتعدى وجودها المرئي وأثرها الحسي المباشر لتكتسب عبر قراءتها المختلفة من قبل سكان الكوكب إلى رموز مختلفة ذات طابع طقوسي، أو إلى تصاميم متباينة لشد العصب، وهندسة المشاعر والتوجهات، وصناعة الشعارات والأعلام. والواقع أن أي نظرة سريعة إلى دلالات الألوان لا بد أن تقودنا إلى الاستنتاج بأن البشر عبر تاريخهم قد منحوا كلاً منها أبعاداً وصفات ذات طابع نمطي، بحيث ربطوا اللون الأحمر بالشهوة والحيوية الزائدة والحب الملتهب، والأصفر بسطوع الذهب كما بالخداع والغيرة، والأخضر بالخصوبة والحياة والشرف والنبل، والأزرق بالطمأنينة والسلم والنقاء ورحابة الفكر، إلى ما سوى ذلك من وجوه التأويل.
ينطلق الكاتب والناقد العراقي حسين عبد الزهرة زبون، في كتابه اللافت «عقدة اللون في شعر عنترة وسحيم» من الدلالات الرمزية للألوان، للوقوف على الندوب النفسية العميقة التي تحكمت بشخصيتي سحيم وعنترة العبسي، من خلال سواد بشرتيهما، الذي ولد لدى كل منهما شعوراً بالدونية والنقص، يصعب تجاوزه. هكذا يتحول عمل المؤلف إلى دراسة متأنية لنتاج الشاعرين اللذين بدا معظم نتاجهما الإبداعي، بمثابة مرافعة بلاغية – نفسية عن الذات المتصدعة والمطعونة في صميمها، كما إلى محاولة موازية لاستعادة التوازن المفقود بين دونية الأنا المعتمة «وبين تعالي الآخر (المضيء)».
لهذا السبب يحرص حسين زبون، وقبل أن يميط اللثام عن العالم الشعري المتقارب لعنترة وسحيم، على تبيان الدلالات المتغايرة للونين الأسود والأبيض في التراث العربي، الذي يربط الأول بكل بالصفات السلبية، فيما يجعل من الثاني ضده ونقيضه الإيجابي، فيوم القيامة «تسود وجوه وتبيض وجوه»، تبعاً لما تركه أصحابها خلفهم من أعمال. وفي حين ربط العرب السواد بالظلام والضغينة والشر والعمى وكسوف الرؤية والخوف من المجهول، وصولاً إلى الموت الذي رمزوا إليه بغراب البين، جعلوا من البياض بالمقابل لوناً للضوء والجمال ونقاء السريرة وانكشاف الأشياء.
والمؤلف إذ يرى في عقدة اللون إحدى السمات الأبرز لشعر عنترة وسحيم، فهو يتبع في قراءة النصوص المنهج النفسي، الذي مهد له فرويد في القرن الفائت، واشتغل عليه فيما بعد تلامذة عديدون، بينهم كارل يونغ وألفرد إدلر الذي يعرف العقدة بالقول «إنها مجموعة من الأفكار والذكريات اللغوية التي تُحدث أثراً بالغاً في تكويننا الوجداني، بحيث توجه أفعالنا وسلوكنا في اتجاهات ثابتة لا تتحول عنها». أما على المستوى العربي، فقد فتح كتاب الناقد المصري عز الدين إسماعيل «التفسير النفسي للأدب» أوسع الأبواب أمام هذا النوع من الدراسات والمقاربات النقدية.
وبانتقاله من المقدمات النظرية إلى المستوى التطبيقي، يرى المؤلف بأن عنترة وسحيم قد التقيا في العديد من القواسم المشتركة التي يشكل لونهما الأسود محورها الأساسي، ليتفرع عنه اضطهاد الشاعرين من قبل قبيلتيهما، ورزوحهما تحت وطأة القلق والإخفاق والاضطراب، وصولاً إلى استثمار موهبتهما العالية للتغلب على شعورهما الممض بالدونية والمهانة. أما الفوارق بين الشاعرين فلا تنحصر في انتماء الأول إلى زمن الجاهلية، والثاني إلى صدر الإسلام، بل في كون عنترة قد وجد في قوته الجسدية النادرة وشجاعته في الحرب، الرد الأمثل على اضطهاده من قبل القبيلة بوصفه ابناً لشداد من أمَة سوداء، في حين أن سحيماً، ذا البنية البدنية المتواضعة، وجد في تفوقه الجنسي واستثمار غرائزه الشهوانية، وفي إغواء مَن طالتهن يداه من نساء آسياده ومضطهِديه، الوسيلة الأنجع للانتقام من بني الحسحاس.
أما الرد على عقدة اللون عند عنترة، فقد كان يتم أحياناً عبر التسديد الواضح والمباشر إلى المعنى المقصود. فهو لا يتوانى في بعض القصائد عن التصريح بأن سواد لونه يتوارى تماماً خلف خصاله البيضاء، وأنه لا يكترث للمشككين بنسَبه، ما دامت شجاعته الفائقة تمكنه من أن يصنع لنفسه أرفع الأنساب:
أنا الأسد الحامي حمى مَن يلوذ بي
وفعلي له وصْفٌ إلى الدهر يُذكرُ
سوادي بياضٌ حين تبدو شمائلي
وفعلي على الأنساب يزهو ويفخرُ
وفي قصيدة أخرى يشير عنترة إلى غطرسة بني قومه ومواجهتهم لمزاياه الحميدة بالجحود والنكران، بحيث يعملون على تقويض مجده الشخصي، كلما عمل من جهته على أن يبني لهم بحد سيفه مجدهم الجماعي، فضلاً عن أن سواد جلده الذي يعيبونه عليه، ليس شيئاً بالمقارنة مع خبثهم وسواد قلوبهم وأفعالهم.
إلا أن علاقة عنترة بالمرأة تختلف اختلافاً بيناً عما هو الحال مع سحيم، حيث كانت شجاعته اللامحدودة، لا غزواته النسائية وتهالكه على الغرائز، هي بطاقة اعتماده الأهم لكسب احترام قبيلته وانتزاع اعترافها. ومع أن حبه لعبلة، ابنة عمه شداد، قد كلفه الكثير من التضحيات، فقد استطاع عبر إخلاصه لحبيبة واحدة، كما عبر مزاياه الأخرى المتصلة بالشهامة والخفر وإعلاء صورة المرأة، أن يتحول عبر الزمن إلى واحد من الرموز التراثية المؤسسة لثنائية الفروسية والعشق. أما الإلحاح على امتداح النفس وتعظيمها في الكثير من القصائد، فهو يعكس حاجة الأنا المهانة والمشظاة إلى الالتئام والتحرر من عقدتها، بمعزل عن التباين اللوني بين بياض السيوف وسمرة الرماح:
أنا العبد الذي خُبرت عنه
يلاقي في الكتيبة ألف حر
خُلقت من الحديد أشد بأساً
فكيف أخاف من بيض وسمرِ
وإذا كانت معلقة عنترة هي واحدة من أفضل معلقات العرب السبع، لما تختزنه من كثافة صورية وصدق تعبيري ومشهدية ملحمية، فإن تنائية الحب والموت من جهة، ورغبة الأنا «السوداء» في محو هويتها الأصلية عبر التماهي الكلي مع بياض السيوف وثغر الحبيبة من جهة أخرى، تتجليان على نحو فريد في بيتيه الشهيرين:
ولقد ذكرتكِ والرماح نواهلٌ مني
وبيض الهند تقطر من دمي
فوددتُ تقبيل الرماح لأنها
لمعت كبارق ثغركِ المتبسمِ
في الطرف الآخر من المعادلة، يبدو وضع سحيم أكثر حراجة ومأساوية من وضع عنترة. فالنزوع العنصري لدى بني عبس قد يجد ما يسوغه في قيم الجاهلية وأعرافها، ولكن اضطهاد بني الحسحاس لسحيم لا يجد مسوغاً مقنعاً له، في ظل دعوة الإسلام المتكررة إلى نبذ العنصرية ونظام الرق. ولهذا بدا إذلالهم للشاعر وتعاملهم المهين معه، أكثر قسوة وإيلاماً من تعامل بني عبس مع شاعرهم الفارس. وهو ما يفسر إلحاح عنترة، مسلحاً بشجاعته، على رأب الصدع مع القبيلة، فيما كان سحيم، المعروف بعدم أهليته القتالية، يؤثر يائساً النزوع إلى العزلة الكاملة تجنباً لأذى الآخرين وسخطهم عليه. ومع ذلك فهو يحرص رغم شعوره المرير بدونية محتدة، على التباهي بقوة موهبته وفرادة أشعاره، حيث يقول:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له
يوم الفخار مقام الأصل والنسبِ
ومع ذلك فإن اعتداد سحيم، ذي السلوك الأرعن والعلاقات المتهتكة مع النساء، ببياض أخلاقه الذي يغطي على سواد لونه، لن ينظر إليه إلا من زاوية «كذب» الشعراء، ولن يأخذ أحد على محمل الجد قوله غير المقنع:
إن يكن للسواد في نصيبٌ
فبياض الأخلاق منه نصيبي
كما أن مثل هذه الإشارات القليلة إلى التزام الشاعر بسلم القيم الاجتماعية القبلية، سرعان ما تنكشف هشاشتها أمام نزقه السلوكي وتمرده على الأعراف، وصولاً إلى استخدام تفوقه الفحولي وإغوائه للكثير من النساء، كوسيلة مثلى للانتقام من الجماعة التي أسرفت في اضطهاده.
والأغرب من كل ذلك أن رغبة سحيم في الانتقام، قد تجاوزت حدود الموت نفسه، فلا يتوانى عن تذكير قاتليه بقتله المعنوي لهم، من خلال انتهاك أعراضهم في مخادع العلاقات المحرمة، ليخاطبهم بجرأة نادرة، وقبل أن يواجه الموت حرقاً بلحظات قليلة:
شدوا وثاق العبد، لا يفْلتْكمُ
إن الحياة من الممات قريبُ
فلقد تحدرَ من جبين فتاتكمْ
عَرَقٌ لها فوق الفراش، وطِيبُ



Art





Source link

«البابطين الثقافية» تنظم في مالطا «المنتدى العالمي الثاني لثقافة السلام»


تنظّم مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، في مالطا، المنتدى العالمي الثاني لثقافة السلام، تحت عنوان: «السلام العادل والمستدام» في الفترة من 3 – 4 مارس (آذار) المقبل برعاية وحضور رئيس مالطا الدكتور جورج فيلا. ويناقش المؤتمر كيفية قيام المجتمع الدولي بتطوير أدوات الحوكمة وتنفيذ الخطط والمبادرات المشتركة، ضمن مسار من التعاون لإعداد مشروع «قيادة من أجل السلام العادل»، وذلك من خلال تحفيز جميع الأطراف المعنية على المستوى الاجتماعي والسياسي والتعليمي، من أجل العمل مؤسساتياً وجماعياً بصفتهم «قادة السلام العادل» من أجل أمن مستقبل العالم. وسيركز المؤتمر بشكل خاص على منع النزاعات والبحث عن سياسات الوساطة والمصالحة، وكذلك على تعليم الشباب وتدريبهم بشكل خاص على مجموعة من المعارف والمهارات من أجل ممارسة ثقافة السلام العادل داخل مجتمعاتهم.
وذكرت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية أن عدداً من قادة الفكر والسياسة سوف يتحدثون في هذه القضية الحيوية لرسم خطوة عملية إلى الأمام لاستكشاف الآليات المؤسساتية وإعداد البرامج التعليمية والأدوات وخطط العمل لتطوير الكفاءات القيادية من أجل تحقيق الهدف السامي وهو «السلام العادل» والمستدام لاستقرار الشعوب. وأكدت المؤسسة أن المناقشات ستقدم تصوراً حول كيفية مواجهة التحديات المعقدة التي تهدد سلام الشعوب وأمنها في كل مكان، ليغدو مفهوم «السلام العادل» مركزياً على جميع المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.
ولتحويل ثقافة السلام إلى حقيقة ملموسة، ستنتظم أعمال المنتدى في 3 جلسات تتصل غاياتها ونتائجها المتوقعة بشكل وثيق في ضوء الهدف المشترك المتمثل في كيفية إعداد قيادة فعالة حقاً، تتعاون لبناء «منصة عالمية للسلام العادل» متعددة المستويات والوظائف، وتقترح توصيات فعلية قابلة للتنفيذ.






Source link